وضع داكن
26-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 021 ب - اسم الله القاهر 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  سبحان مَن قهر عبادَه بكل أنواع القهر:


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم الله القاهر، والمقولة التي يرددها معظم المسلمين: سبحان من قهر عباده بالموت، ورد أن بادِرُوا بالأعمال الصالحة، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ هل تنتظرون إلا فَقْرا مُنْسياً؟ أو غِنى مُطغياً؟ أو مَرَضاً مُفسِداً؟ أو هَرَماً مُفنِداً؟ أو موتاً مُجْهِزاً؟ أو الدجالَ فشَرُّ غائب يُنَتظَرُ؟ أو الساعةَ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ؟ هل يمكن أن يستيقظ الإنسان كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله؟ مستحيل وألف ألف مستحيل! هل تنتظرون إلا فَقْرا مُنْسياً؟ أو غِنى مُطغياً؟ أو مَرَضاً مُفسِداً؟ أو هَرَماً مُفنِداً؟ أو موتاً مُجْهِزاً؟ أو الدجالَ فشَرُّ غائب يُنَتظَرُ؟ أو الساعةَ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ؟ سبحان من قهر عباده بالموت، وأحياناً يُقهر المرء بالمرض، وأحياناً يُقهَر بالفقر، وقد يُقهَر بالغنى المطغي، كان مستقيماً فانحرف، هذا قهر أيضاً.
أيها الإخوة؛ الآية الكريمة: 

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

والقاهر من أسماء الله الحسنى، يقهر الجبابرة، يقهر الظالمين، لذلك في بعض الأدعية التي نقرؤها كثيراً في قنوت الصلوات:

(( عن الحسن بن علي بن أبي طالب: اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وباركْ لنا فيما أعطيت، وقِنا شرَّ ما قضيت، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت، ولا يَعزُّ مَن عاديت، تباركت ربَّنا وتعالَيت. ))

[ صحيح الترمذي ]

 

الهدى أعظمُ نعمةٍ:


دققوا، النعمة الأولى نعمة الهدى، ولا نعمة قبلها، ونعمة الهدى تشبه الرقم واحد، فإذا أضيف إليها نعمة الصحة صفر أمامها، صاروا عشرة، فإذا أضيف أمامها صفر آخر نعمة الكفاية، ويمكن أن تضيف النعم أمام هذا الواحد إلى ما شاء الله، لكن تأكد أن هذه النعمة الأولى نعمة الهدى هي الرقم واحد، فلو حذفته لكانت كل النعم الأخرى أصفاراً، لا قيمة لها، لأن الموت ينهي كل شيء، يُنهي قوة القوي وضعف الضعيف، يُنهي غنى الغني وفقر الفقير، يُنهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم، يُنهي صحة الصحيح ومرض المريض، الهدى نعمة مستمرة بعد الموت، وما سوى الهدى نعم منقطعة عند الموت، وتأكد أن أية نعمة وهبك الله إياها ليس معها الهدى تنتهي عند الموت، وليست عطاءً، لأن كرم الله عز وجل لا يمكن أن يكون بنعمة منقطعة، نِعَم الله الحقيقية مستمرة بعد الموت.
 

ابحثْ عن نعمةٍ لتدّخرها لِما بعد الموت:


لذلك البطولة أن تتمتع بنعمة تُسعدك بعد الموت، أما نِعم الحياة الدنيا على أنها نعم طبعاً، لكن تنتهي عند الموت، من بيت إلى قبر، من منصب إلى قبر، من انغماس باللذائذ إلى قبر، أما المؤمن نعمه مستمرة بعد الموت، وهي متنامية، فالبطولة، والتوفيق، والذكاء أن تبحث عن نعمة ليس الموت نهاية لها، أي عطاء ينتهي بالموت بالحقيقة ليس نعمة من النعم التي أرادها الله للمؤمن، لذلك فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا؟ فإن قال: أهانه، فقد كذب، وإن قال: أكرمه، فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا.
بالضبط بشكل موضوعي إن الله يعطي المُلك لمن يُحِب، ولمن لا يُحِب، أعطى الملك لنبي كريم سيدنا سليمان، وأعطاه لعدوه فرعون، مادامت هذه النعمة تُعطى لعدو الله أو لصفيه إذاً ليست مقياساً، أعطى المال لقارون وهو لا يحبه، أعطى المال لصحابة كرام-سيدنا عثمان-وهو يحبهم، ما دامت النعمة الواحدة تُعطى لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليست النعمة التي في الدنيا مقياساً على محبة الله.
 

دعاء عظيم يتجلى فيه اسم القاهر:


إذاً البطولة أن تكون مهتدياً، حتى إن بعضهم قال: تمام النعمة الهدى، لذلك هذا الدعاء: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ)) ما النعمة التي تأتي بعد الهدى؟ الصحة بالضبط، ((وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ)) وما من دعاء كان عليه الصلاة والسلام يُكثر منه كقوله صلى الله عليه وسلم:

(( عن أبي هريرة: اللهم ارزقنا العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. ))

[ الجامع الصغير بسند صحيح ]

هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، هناك أمراض لا قيمة للمال معها، لا قيمة لكل النعم معها، فلذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم إنا نعوذ بك من عُضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
 

نعمة المتابعة الربانية للعبد:


((اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي)) هنا أحياناً الله يتابعك، هناك خطأ تدفع ثمنه، هناك موقف فيه كِبر يضعك في موقف صعب جداً فيه إهانة، هناك موقف فيه إسراف يضعك في موقف فيه تقتير، إسراف يقتر عليك، استعلاء تتحجم، أحياناً يشعر الإنسان أن الله يتابعه.
أقول لكم من أعماقي: من كان يشعر أن الله يتابعه فهو في خير عميم، فهو ممن خضع لعناية الله المشددة، فهو ممن يُرجى شفاؤه، لكن المصيبة الكبرى أن يسترسل الإنسان في الخطأ، والله عز وجل يَدَعه وخطأه، أي خطر كبير أن يخطئ الإنسان، يستعلي، يأكل مالاً حراماً، والله يتركه مع خطئه، لكن المؤمن يحبه الله عز وجل، فإذا أحبه ابتلاه، تابعه، فالأفضل ألف مرة أن تُتابَع من قِبل الله عز وجل على كل خطأ من أن يدعك وشأنك، إذا كان الله يُتابِع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره، أكبر خطر أن تأتيك الدنيا كما تتمنى، ولا يوجد التزام أبداً، ولا يوجد انضباط، ولا يوجد طاعة لله عز وجل.
والحالة الثانية أفضل بمليار مرة، أنك إذا أخطأت تُتابَع، لكل سيئة عقاب، وكلما ارتقى الإنسان يحاسب على أدق الذنوب، وأقل العيوب، كلما ارتقى الإنسان، وكلما ضَعُف مقامه يُحاسب على عظائم الأمور، لا على دقائقها، إذاً: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي)) التولي التربية.
 

وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ؛ درسان من غزوة أحد وحنين فيهما عبرة:


إخوتنا الكرام؛ لمجرد أن تقول: الله في كل شيء يتولاك، أما إذا قلت: أنا، يتخلى عنك.
درسان بليغان، درس في بدر، ودرس حنين، الصحابة الكرام وهم قمم البشر، وفيهم سيد البشر، في حُنين قالوا: ولعلها مقولة في قلوبهم: ولن نغْلَبَ اليوم مِن قلة، فتخلى الله عنهم، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[ سورة التوبة ]

إياك أن تقول: أنا عندي خبرات متراكمة، أنا الأول في هذا الاختصاص، أنا لا أحد ينافسني في هذه المعرفة، إياك أن تقول هذا الكلام، هذا تطاول على الله عز وجل، يجب أن تشهد نِعَم الله لا أن تتبجح بها.
فلذلك الإنسان حينما يعتدّ بنفسه يتخلى الله عنه، وقد يعتدّ الذكي بذكائه فيرتكب حماقة لا يرتكبها الأغبياء، وقد يعتدّ الغني بماله فيجعله الله في مكانة المال لا ينفع أبداً، مرة أخ كريم أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، قال: الدراهم مراهم، تُحلّ بها كل مشكلة، فابتلاه الله بمشكلة لا تُحلّ ولا بالمليارات، وبقي في المنفردة أربعة وستين يومًا، وكل يوم يقول: الدراهم مراهم! إياك أن تقول كلمة تنسى الله بها، لذلك الله عز وجل غيور، إن اعتمدت على غيره عالجك معالجة قاسية، إن اعتمدت على غيره، إن اعتددت بفكرك، باختصاصك، بخبراتك، بمالك، اعتدّ بالله عز وجل، أصحاب النبي الكريم في بدر قالوا:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

[ سورة آل عمران ]

أي مفتقرون إلى الله، أما في حنين: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ هذا الدرس نحن بحاجة إليه كل ساعة، لا تقل: أنا، قل: الله، هذه المقولة ليست تواضعاً، حقيقة، أنت لا شيء:

كنت لا شيء وأصبحت به           خير شيء بشراً قد طبعك

[ عبد الغني النابلسي ]

* * *

إذاً: ((وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ)) هذا هو التولي، الرعاية، المتابعة، المعالجة.

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾

[  سورة الفاتحة ]

الآن لاحظ ابنًا مربّى، إذا تكلم كلمة نابية، يا بني! هذه الكلمة لا تصح، يتابعه الأب، الأب المربي يتابع ابنه حتى على جلسته، جلسة ليس فيها أدب، مشى أمامه، خطوة للوراء يا بني، جلس قبله، لا تجلس قبل أبيك، لا تمش أمامه، لا تُسمِّه باسمه، فالابن الذي يربيه أبوه على كل كلمة، وعلى كل حركة وسكنة وخاطرة يُحاسب عليها.

  الاعتزاز بالله:


((وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ)) أحياناً دخل كبير ليس فيه بركة، يذهب على معالجة أمراض، ومال مصادر، وضرائب لا تحتمل، المال الكثير ذهب أدراج الرياح، أحياناً الإنسان بدخل قليل يبارك الله له بهذا الدخل، كلمة مبارك كلمة قرآنية:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)﴾

[ سورة الملك ]

أحياناً يُبارِك لك بوقتك، تفعل في وقت محدود أعمالاً لا يفعلها معظم الناس، يُبارَك لك بمالك، يُبَارَك لك بزوجتك، تعيش معها عُمُراً مديداً، كلها خير، كلها وفاء، كلها محبة، كلها تفانٍ، كلها تضحية، وأحياناً الزوجة تكون جحيماً لا يُطاق، فالبركة ليست بالمال فقط، هناك بركة بالزوجة، هناك بركة بالأولاد، أولاد أبرار، طائعون، البركة بالصحة، أحياناً إنسان يتمتع بصحته طوال حياته، وهذه من نعم الله العظمى، أحياناً بركة بالمال، بدخل معقول جداً، كل شيء عندك، لا ينقصك شيء، هناك بركة، بركة بالوقت، بوقت محدود تُنجز أعمالاً كبيرة، لذلك: ((بَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ)) ، ((وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ)) أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر: ((وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ)) .

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت          فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

[ عبد الرحمن الوكيل ]

* * *

اعتزّ بالله، لا تعتز بسواه، ليكن ولاؤك له، هذا دعاء، والله من الأدعية الجامعة المانعة، وهو دعاء بمعنى اسم القاهر، الله قهرنا بالمرض، قهرنا بالموت، قهرنا بالمال أحياناً،  يفتقر، قد يبكي الرجل، لا يجد ما يأكل، أحياناً إنسان يُنقّب بالحاوية ليأكل، إذا شخص أكرمه الله عز وجل ببيت، بمأوى، بزوجة، بأولاد، بدخل معقول، هذه نعمة لا تعدلها نعمة، أن يغنيك الله عن السؤال.
 

الخضوع والانصياع لله هذا ما نستفيده من اسم القاهر:


أيها الإخوة؛ ما الخُلق الذي ينبغي أن تتخلّق به من هذا الاسم؟ الله هو القهّار صيغة مبالغة، وهو القاهر، اخضع له، لأنك في قبضته، أي أقلّ خطأ بصحتك يجعل الحياة جحيماً لا تطاق.
والله كنت مَرة عند طبيب، جاءه اتصال هاتفي، سمعت المتكلم، قال له: أيّ مكان بالعالم، أيّ مبلغ، قال له: والله لا يوجد أمل، الورم بالدرجة الخامسة، لا يوجد أمل، فالمرض يقهر، لكن أصعب قهر أن يقهرك إنسان.

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾

[ سورة الأنعام ]

يبدو أن قهر الواحد الديان مباشرة أخفّ من قهر إنسان، الدليل:

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾

[ سورة لقمان ]

يحتاج إلى صبر، هذا قضاء الله وقدره المباشر، لكن في آية أخرى:

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

[ سورة الشورى ]

قد يأتي القضاء والقدر على يد إنسان، تحتاج هذه الحالة إلى صبر أشدّ، ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ﴾ على قضاء الله، ﴿وَغَفَرَ﴾ لمن أجراه الله على يده، ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ﴾ لام التوكيد، ﴿لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ فأحياناً يُقهر الإنسان من قِبل الله مباشرة، وقد يُقهر من قِبل إنسان، وقهرُ الرجال لا يُحتمل.
أيها الإخوة الكرام؛ إذاً الموقف الكامل ما دام الله يقهر كل إنسان أن تكون خاضعاً له، أن تكون في طاعته، أن تكون مُحباً له، هو يقهر ليربي، أعيد هذا كثيراً، علماء العقيدة لا يرون من المناسب أن تقول: الله ضار، الضار من أسمائه، يجب أن تقول: الله ضار نافع، لأنه يضر لينفع، لا ينبغي أن تقول: الله مُذل، هو مُذل، لكن مُذلّ ليُعز، المُعِز المُذل، لا ينبغي أن تقول: الله خافض، هو خافض، لكنه خافض ليرفع، هذا كمال الله عز وجل، فهذه النعم الباطنة.

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾

[ سورة لقمان ]

أعرف إنساناً متفلتاً غارقاً في الشهوات، آتاه الله وسامة، ومالاً، وغنىً، حتى إنه كان يستهزئ بالمقدسات، عنده بنت يحبها محبة تفوق حدّ الخيال، أصيبت بمرض خبيث، لم يدَع طبيباً في بلده إلا وعالجها عنده،  لا يوجد أمل، أخذها إلى بلد بعيد، باع بيته، وكل ما يملك من أجلها، ثم جاءه خاطر هو وزوجته؛ لو أننا تُبْنا إلى الله، واصطلحنا معه، وأدّينا الصلوات، وطبقنا منهج الله، خاطر، بدأا بهذا المشروع، وقد شفى الله هذه البنت، ودُعيتُ حينما كبرت إلى حضور عقد قرانها، فلما ألقيت كلمة في هذا العقد، سألت أباها: هي هي؟ فقال لي: هيَ هي، مرض جاء إلى أسرة ردّ الأب والأم إلى الله وانسحب، هذا فعل الله عز وجل.
هناك إنسان لا يأتي طواعية، بيُسر، وبرخاء، يأتي بالشدة، وهذه نعمة كبيرة أيضاً، لذلك قالوا: من لم تُحدِث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر.
فأولاً: نحن في قبضة الله، الإنسان كل مكانته، وهيمنته، وسيطرته، وقدرته منوطة بقطر شريانه التاجي، ميليمتر وربع، وكل مكانته، وهيمنته، وسيطرته منوطة بسيولة دمه، وكل مكانته، وهيمنته، وسيطرته منوطة بنمو خلاياه، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهى، إذاً نحن في قبضة الله عز وجل، أحياناً حادث سير يُنهي حياته، والأصعب قد لا تنتهي حياته، يصبح مشلولاً طوال حياته، حادث سير، أنت تمشي على اليمين بأعلى درجات الانضباط الآخر نائم، فنحن تحت رحمة الله، نحن في قبضته، مادام الله قاهراً ينبغي أن ننصاع له، أن نؤمن به، أن نستقيم على أمره، أن نعمل صالحاً، هذا المعنى.
 

استمداد القوة من الله:


هناك معنى آخر، ماذا ينبغي أن تتخلّق بهذا الاسم؟ قال تعالى: 

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾

[ سورة الشورى ]

لا تكن ضعيفاً، لا تكن خنوعاً، لا تكن مستسلماً: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ استمدّ من الله القوة، هناك إنسان يضعُف عن أن يأخذ حقه، يضعُف لأقلّ تهديد، أما المؤمن يعتز بالله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

أما الآية الدقيقة: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ لكن لا تَكِل له الصاع أصوعاً.

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

فقط، أما أروع ما في الآية: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أي إذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الذي أساء إليك يقربه إلى الله فاعفُ عنه، ويا عبدي أجرك عندي، أحياناً سائق يمشي بأعلى درجات الانضباط، قفز طفل إلى أمام السيارة، ودُهس، الأب يقدر أن يقيم عليه دعوى، وأن يضعه في السجن، لكن معطيات الحادث السائق بريء وفقير، والخطأ من الابن، لكن تسبّب هذا السائق بموت هذا الصغير، قال تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أما إذا كان أرعن، يتحدى الناس، لا، لابد من معاقبته، أما إذا ما كان هناك خطأ مِن قِبَله، هناك حالات كثيرة يكون الخطأ فيها مدمرًا، لكن صاحب الخطأ ليس ملوماً عند أحد، هناك خطأ تلبّسه أحياناً، قال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ كلما عفوت عن أناس عفوك عنهم يصلحهم فاعف عنهم، وتوكل على الله.

الملف مدقق

 والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور